المعتقدات ما انقاد لها، ولو جال بخاطره أنها تمت إلى الخرافة بصلة لنبذها نبذ النواة. نعم إن من الديانات ما هو حق ومنها ما هو باطل؛ ولكن الفكرة، صواباً كانت أم خطأ، متى اكتست بكساء الدين أضحت قوة هائلة وأثرت في المجتمع تأثيراً نافعاً. ولو لم يكن للأديان إلا هذا النفوذ في قيادة الشعوب والتأثير في الجماهير لكفى في نصرتها والاستمساك بها
ونستطيع أن نأخذ على فريزر - فوق هذا - عنايته بالأمثلة وتعلقه بالحوادث الجزئية أكثر من بحثه عن القواعد الشاملة والقوانين العامة. وهذا نقد يصدق على مدرسة الاجتماع الإنجليزية الحديثة بأسرها التي قامت أعمالها أولا وبالذات على الرحلة والمشاهدة دون أن تعير النظريات والضوابط اهتماماً كبيراً، وقد جارها فريزر في هذا التيار. انظر أي كتاب من كتب سبنسر أو وسترمرك أو تيلور الاجتماعية مثلاً تجد أنك تنتقل من مشاهدة إلى مشاهدة ومن مثال إلى آخر، وقل أن تظفر بقضية عامة أو أصل ثابت. نحن لا ننكر أن هذه الطريقة أفادت علم الاجتماع مادة غزيرة وثروة طائلة، إلا أن هذه المادة لم تهيأ بعد للتغذية، وهذه الثروة لما تستثمر. هي مادة أولية (خام)، إن صح هذا التعبير، في حاجة إلى من يستخلص منها روحها وما حوت من أسرار. وقد فطن علماء الاجتماع الفرنسيون - وهم أبعد الناس عن السفر وأرغبهم عن الرحلة - إلى هذا النقص فكملوه، واستغلوا التجارب والمشاهدات الإنجليزية استغلالاً حسناً، وصاغوا المعلومات الاجتماعية في القوالب العلمية الحق. فإذا كان علم الاجتماع مديناً لرحالة الإنجليز والأمريكان بما فيه من مشاهدات جزئية وحوادث واقعية، فإن الفضل في كثير من نظرياته وقوانينه يرجع إلى المدارس الفرنسية
ومهما يكن فهناك نقطتان هامتان نخرج بهما من أبحاثنا السابقة في الخرافة، أولاهما خاصة بمصر والشرق في جملته، وتتلخص في أنه يسود هذه الديار قدر وفير من الخرافات أشرنا إليها سلفاً. فالخرافة متوغلة في كثير من معتقداتنا وعباداتنا، في عاداتنا وتقاليدنا، في آرائنا وأفكارنا. وليس معنى هذا أن أوربا خالية من أية خرافة؛ كلا فللغرب خرافات كما للشرق، والجمعيات على اختلافها لا تستطيع أن تتخلى عن مجموعة من الخرافات ترى فيها غذاء لميولها وأحلامها. ولكن مما لا شك فيه أن الخرافة وجدت بين ظهرانينا مرتعاً خصيباً فنمت وترعرعت. وما أجدرنا بأن ندرس خرافاتنا لنعرف أصلها ونشأتها وصلتها