جانب الحقيقة والواقع، فنحن مثلا نتصور الله في صورة المذكر دائما، ولا نرضى أن نصبغه بصبغة التأنيث، نقول هو ولا نقول هي، وليس ذلك الا نتيجة لخضوع المرأة لسلطان الرجل، كذلك ننسب إليه كل الصفات التي نراها حسنة كاملة لا من حيث الواقع ولكن من حيث حكم العقل البشري المحدود بميوله وأغراضه. وقد كتب سبينوزا في ذلك إلى أحد معارضيه يقول:(إذا اعترضت عليّ بأنني لا أريد أن أصف الله بالنظر والسمع والملاحظة والإرادة وما إلى ذلك من الصفات. . . فأنت إذن لا تعرف الإله الذي أتصوره وأحسب أنك لا تستطيع أن تتخيل مثلا أعلى من الصفات السالفة الذكر، وإني لا أستغرب منك هذا القصور في الخيال لأنني أعتقد أن المثلث إذا استطاع أن يعبر عن نفسه لقال كذلك أن الله يتميز بصفات المثلث. كما تقول الدائرة أن طبيعة الله دائرية. وهكذا ينسب كل شيء إلى الله من الصفات ما يراها في نفسه)
الله عند سبينوزا هو مجموع الأسباب والقوانين جميعا وقوته هي مجموع القوى العقلية الكامنة في كل أجزاء المادة المنتشرة في الزمان والمكان.
لأن لكل شيء في الوجود جانبا عقليا أي روحيا، كما أن الامتداد، أي الجسم، جانب آخر.
ولكن ما هو العقل وما هي المادة؟ ذهب الخيال الجامح ببعضهم إلى حد القول بان المادة روح كلها وليس الجسم الا محض فكرة، كما جمد الخيال عند بعض آخر إلى حد القول بأن العقل مادة كله، وليست الأفكار الا عمليات جسمية، وذهب فريق ثالث إلى أن العقل والمادة مستقل بعضهما عن بعض الا انهما متوازيان في عملهما أي أن العقل يفكر والجسم يتحرك دون أن يكون بين ذلك التفكير وهذه الحركة علاقة ما. يستعرض سبينوزا هذه الآراء جميعا فيرفضها جميعا، فلا المادة روحية ولا العقل مادي ولا هما مستقلان متوازيان إذ ليس هناك شيئان متميزان: عقل ومادة، حتى نبحث عن العلاقة بينهما بل ثمت شيء واحد فقط وعملية واحدة فحسب لها مظهران أو جانبان، فأنت تراها الآن باطنيا في صورة الفكرة ثم تراها خارجيا في صورة العمل. فالعقل والجسم وحدة لا تتجزأ، وكل أجزاء الوجود لها هاتان الشعبتان الممتزجتان المتحدتان، وبعبارة أخرى المادة التي في الكون والروح التي في الكون شيء واحد ذو وجهين، وبعبارة ثالثة، الطبيعة والله شيء واحد، وإذا كان الأمر كذلك من توحيد العقل والجسم أي أن الروح والمادة وجعلهما شيئا واحدا فلا