للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موالي الخلفاء العباسيين، فكان بلا ريب له دالة عليهم جعلته في مأمن من تلك الحزازات التي كانت في صدور كثير من الحاشية، والتي سبّبها أبو العيناء ببذاءة لسانه، وتطاوله على أعراض الناس

حياته البغدادية:

يقول الرواة إن أبا العيناء ولد في آخر المائة الثانية وتوفي سنة ٢٨٢ أو سنة ٢٨٣هـ فمن ثم يكون قد أظلته خلافة المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد وصدر من خلافة المعتضد بالله الذي تولى سنة ٢٧٩ وتوفي سنة ٢٨٩هـ. ولقد كانت الحياة البغدادية في عصر أبي العيناء كلها ترف ولذة، يسودها المجون والخلاعة، ويروج فيها العبث واللهو، وقد روى لنا المؤلفون كثيراً من مجالس لهوهم ومنادمتهم على الشراب، ومساجلات الشعراء في خلواتهم، وأحاديث المجان في طربهم، وإني أعتقد أن الخليفة الذي تمتع بملذات الحياة، وأنال نفسه ما تبتغيها حقاً، من خلفاء العباسيين هو المتوكل على الله، فهو أول من أظهر من خلفاء بني العباس الانهماك على شهوته، فأسرف في بناء القصور، وعكف على الشراب ولم يبال باللوم، ولقد جنى ثمرة رفاهية الدولة، وإن شئت فقل إن الدولة قد بلغت في أيامه ذروة العظمة، وكان لابد لها من بعده أن تضعف حتى تنمحي، ولكل شيء إذا ما تم نقصان. ولقد حدثنا التاريخ أنه قتل في قصره، وأن الأمور من بعده اضطربت اضطراباً شديداً بسبب المعول الهادم الذي أوجده المعتصم وهو الجنود الأتراك، ولم يظهر استبدادهم وشرهم حتى بلغت الأمور غايتها ثم ظهر الفساد بعد عصر المتوكل

اتصل أبو العيناء بالمتوكل اتصلاً شديداً، وسنعلم إلى أي حد أثر فيه هذا الاتصال، ولم يقتصر اتصاله بالخلفاء على المتوكل وإنما اتصل بغيره كما اتصل به، ولكن المتوكل هو الذي رفع له الحجاب، وجعل يصغي لأحاديثه، ولقد بهره منه تلك البديهة الحاضرة، وذاك الذكاء الوقاد، حتى رأيناه يمزح معه في كثير من مجالسه، ويرفع الكلفة بينه وبينه

ويظهر من أقوال الرواة أن أبا العيناء حينما ارتحل إلى بغداد كان الخلفة المأمون على رأس الدولة فاتصل به وعرف وزيره الحسن بن سهل وأخذ منهما الصلات والعطايا، ولقد أثر ذلك المعروف في نفسه حتى قال لما بلغه موت الحسن بن سهل: والله لئن أتعب

<<  <  ج:
ص:  >  >>