للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مستحق له عنده).

فسؤال أبي علي أبا الطيب هذا السؤال دليل على أنه لفت الناس إليه بسعة معرفته باللغة، ثم شهادته له دليل آخر.

ولما وقع الجدل بين أبي الطيب اللغوي وابن خالويه في اللغة بحضرة سيف الدولة، قال الأمير: ألا تتكلم يا أبا الطيب؟ فتكلم ونصر أبا الطيب اللغوي على ابن خالويه. فسؤال سيف الدولة أبا الطيب أن يتكلم في أمر يتجادل فيه اثنان من اللغويين دليل على عده من علماء اللغة.

ولما دخل على الوزير المهلبي في بغداد أنشد بعض الحاضرين وفيهم أبو الفرج الأصفهاني هذا البيت:

سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جُراما وملكوما وبدّر فالغمرا

فقال أبو الطيب: هو جرابا، وهذه أمكنة قتلتها علما؛ وإنما الخطأ وقع من النقلة.

وقد حكى الحاتمي أنه ناظر أبا الطيب ببغداد فلم يقتصر على مناظرته في الشعر، بل ناظره في اللغة أيضا. وحكى أن أبا الطيب قال له اللغة مسلّمة لك، فقال: وكيف تسلمها وأنت أبو عذرتها وأولى الناس بها، وأعرفهم باشتقاقها، والكلام على أفانينها، وما أحد أولى بأن يسأل عن غريبها منك.

وفي هذا برهان على اشتهار أبي الطيب بمعرفة اللغة ولو كان كلام الحاتمي تهكما وسخرية أو كانت قصته كذبا.

ولما نزل عند ابن العميد في أرّجان قرأ عليه كتابا جمعه في اللغة. قال في الإيضاح: (وكان أبو الفضل يقرأ عليه ديوان اللغة الذي جمعه ويتعجب من حفظه وغزارة علمه).

وقال الخالديان: (كان أبو الطيب المتنبي كثير الرواية، جيد النقد. . . وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها، ولا يسأل عن شيء إلا استشهد بكلام العرب من النظم والنثر). وقال صاحب الإيضاح: (وجملة القول فيه أنه من حفاظ اللغة ورواة الشعر).

وقال ابن جني: (ولقد كان من الجد فيما يعانيه، ولزوم أهل العلم فيما يقوله ويحكيه، على أسد وتيرة، وأحسن سيرة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>