- ألم تفهم يا غافل أن الرجل لا يصلح للأستاذية إلا إذا كان قطعة من الثلج؟ الأستاذ الحق في بلاد الشرق هو الرجل الذي يحفظ
- ولا يعقل؟
- ليس من الضروري أن يعقل، لأنه لا يشترط في الأساتذة عندنا أن يكونوا يعقلون. الأستاذ الحق يا غافل هو الرجل الذي يضيع نصف الوقت أو كل الوقت في التبرم بالمجتمع، ويقول في كل حين:
هذا الزمان الذي كنا نحاذره ... في قول كعب وفي قول ابن مسعود
إن دام هذا ولم يحدث له عِوض ... لم يُبك مَيت ولم يُفرح مولود
أو كما قال: يهمني أن أعرف شيئاً في هذا الموضوع يا ليلى، فانأ طبيب أضاعه الأدب ولم يبق أمامه غير احتراف التدريس
- زين، زين! وأنا أعلمك، ولكن أدفع الثمن
وما هو الثمن؟
- قبل يدي
- أقبل يديك ورجليك يا ليلى
- أسمع يا زكي
- أنا الدكتور زكي
- لن تكوني دكتوراً إلا يوم تصبح مثال الغباوة والجهل
- وهو كذلك. هاتي ما عندك يا داهية!
- أسمع أيها الطفل الكبير! إن الأمم المتأخرة تعيش بعقل القرن التاسع قبل الميلاد، يوم كانت الأستاذية وقفاً على الكهان، والكهان كانوا قوماً منافقين، وإليهم كان الأمر في التعلم والتثقيف؛ وهم اللذين سيطروا على المصريين والآشوريين والكلدانيين. ومن واجبي أن أحذرك عواقب الثقة بأهل عصرك من أهل الشرق، فهم يتظرفون ليقال إنهم متمدنون. والبرهان على ذلك انهم لا يشهدون لمحة من ضوء الفكر إلا أطفئوها بالبصق لا بالماء. فاحترس يا غافل من الثقة بأهل زمانك فإني أخشى أن أسمع من أخبارك ما يسوء بعد حين