للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أذن أبيها الضرير، فعرف صوت وحيدته وأيقن أن مكروهاً أصابها، فنهض يعدو متخبطاً يسأل الغادين والرائحين عن مصدر الصوت، فلا يجيبه أحد. . .

كانت الصرخة التي دوّت في الفضاء صرخة واحدة، وكان الوالد الضرير يرقب صرخة أخرى. . . علَّه يهتدي لها إلى مكان ابنته. . . لكن الأقدار العاتية أبت عليه، حتى هذا الرجاء، فظل يعود هنا وهناك بقلب مفجوع وكبد تتمزع. . .

وكان مصرع الطفلة بين أنياب كلب العظيم الضاري قد أثار ضجة بين الحراس والخدم، وتسمع الوالد المفجوع إلى هذه الضجة فقصد إلى مكانها. . .

لكن الأسوار شاهقة منيعة!!. . .

صاح الرجل صيحات مدويّة جمعت الناس حوله. . . ثم راح يستنجد بهم أن يدلوه على مكان ابنته. . . وتطلَّع الناس إلى داخل الحديقة، فرأوا الطفلة ملقاة على الحشائش ينزف دمها، والخدم من حولها يتصايحون. . .

قال أحدهم:

- يجب أن نلقي بها خارج الأسوار قبل خروج الباشا حتى لا نتعرض لغضبه وعقابه، إنه سيوقع بنا العقاب لأننا غفلنا عن العناية بالكلاب وحراسة طعامها من أيدي المتسللين!

وقال أخر:

- يجب أن تبقى علّ الباشا يرق لحالها فيواسي أهلها المساكين. ثم قر الرأي بعد هذا الخلاف على أن يلقي بالطفلة خارج الأسوار. . .

وعرف الوالد الضرير مصرع وحيدته وراح يتشمم جثتها، ويذرف فوقها الدمع فيختلط بدمائها القانية

واجتمع أهل الضاحية فأعانوا الغريب المرتحل على مصابه. لكن الغريب المرتحل كان قد ذهب عقله. . فلم يدرك لصنيعهم معنى، ولم يعرف بعد ذلك شأن الدنيا إلا أن يتبع جثة فاطمة إلى المقبرة وأن يرتمي في تلك الحفرة العميقة بجوارها إلى آخر أيامه

وهو كما رأيت الليلة لم يبق على لسانه غير هذه الكلمة الواحدة يكررها ثم يكررها: كلاب!!! كلاب!. . . .

- ٧ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>