للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليست خاصة بالطبيعيات بل هي أعلى من الطبيعيات عموماً. فهذا العلم أعلى من علم الطبيعة، وواجب أن يسمى علم ما بعد الطبيعة. . .)

وكلام صاحبنا الفارابي على تركيته العربية أوعربيته التركية كلام صحيح في التعريف بفضل الفلسفة أو البحث في ما وراء المادة وما وراء الزمان والمكان، ولكننا بعد ما قدمناه في موقع الفلسفة من الضرورة نعود فنقول: إنها ليست من البعد عن حياتنا الفردية أو حياتنا الاجتماعية بحيث تخرج من عالم الطبيعة إلى ما وراءها، وإن الإنسان ما عيش وإن يعيش بغير فلسفة حياةٍ منذ بحث في العلاقة بينه وبين العالم المنظور والعلم المحجوب، ومرحلة الحياة كما قلنا في بعض كتبنا الحديثة: (كجميع المراحل التي نقطعها من مكان إلى مكان، لا تركب القطار حتى تحصل على التذكرة، ولا تحصل على التذكرة حتى تعرف الغاية التي تسير إليها. غاية ما هنالك من فرق بين راكبين أن أحدهما يقرأ التذكرة والثاني لا يقرأها، أو أن أحدهما يؤدي ثمنها من ماله والثاني يؤدي له الثمن من مال غيره.

والعجب أن بعض الفضلاء من طلاب الحقيقة لا ينظرون إلى الفلسفة هذه النظرة، ولا يحجمون عن نعتها باللغو الفارغ والهذر الذي ليس وراءه طائل، وكذلك فعل الكاتب النزيه الأستاذ نقولا حداد حين جرى البحث على صفحات (الرسالة) عن وحدة الوجود، فضرب المثل على سخف المذاهب الفلسفية القديمة بقول فيثاغورس أن العدد هو سر الوجود، وإن النسبة بين الأشياء هي نسبة بين أعداد

قال فيثاغورس ذلك قبل خمسة وعشرين قرناً، فكان فرضه هذا أقرب إلى الصدق من فروض علمية كثيرة فتن بها الناس إلى سنوات

وقاله فيثاغورس حين رأى أن الأوصاف كلها قد تفارق الموجودات من لون أو لمس أو صلابة أو ليونة أو وزن أو ما شابه هذه الأعراض الكثيرة إلا العدد؛ فانه ملازم لكل موجود، فرداً كان أو اكثر من فرد، وكاملا كان أو غير كامل، وأن الفروق بين الأشياء هي فروق بين تركيب وتركيب أو فروق بين نسب الأعداد، وأن الكون كله (دور موسيقى) هائل يدور على قياس منسجم كما يدير العازف الماهر الحان الغناء

وأنشد الكون ألحانه التي لا عداد لها، وتوالت الفترات التي بعدها نحن بالسنوات والقرون، وظهر اليوم للباحثين أن الأجسام نسب بين أعداد، وأن الفارق بينها فارق في هذه النسب

<<  <  ج:
ص:  >  >>