للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السحرية فيغير قلبه، ويصبح فإذا به مدله في حب (هيلينا)، ويهيم العشاق في الغاب كل يبحث عن أليفه تارة متباطئاً وأخرى مسرعاً. تراقبهم من علٍ أشجار البلوط الشاهقة ويظلهم الليل في ردائه الهادئ. ونبسم نحن إذ نرى كيف يتغيرون. كيف يشكون وكيف يتدلهون - على أننا لا يسعنا إلا الاشتراك في كل ما يفعلون

هذه العاطفة هي حلم، غير أنه حلم يحركنا، فان الشاعر يلعب بالعواطف فيخلطها ويمزجها سوياً ثم يثنيها ثم يعود فيفصلها ويقيم كلا منها على حدة كأنما هي خليات رقصة جميلة، ونشاهد نحن الوجوه الغضة الوديعة تمر سريعة إلى جوار الشجيرات الخضراء وتحت أبصار النجوم اللامعة، تبللها حيناً دموع الشوق والألم ويشيع فيها حيناً آخر بريق الحب والأمل. . .

أولئك قوم قد وهبوا أنفسهم للحب خالصة لا يبغون من عطائهم هذا جزاء ولا مقصداً، وإنما هي هبة نقية خالصة لأنها موجهة لله لا للشيطان، وللحب الخالص لا لشهوات البدن

هي - في الحق - هبة للجمال الذي يخالج مشاعرهم ويملك عليهم حسهم وفكرهم - وإن مرآهم يألمون ثم يسعدون - يشكون ثم يفرحون، يطربهم التافه من الخير، ويعصف بهم خالج الفكر البسيط، تحنو عليهم بنات الغاب ساعة مداعبات، ثم تسخرن بهم ساعة أخرى لاهيات - لهو نوع من السحر المبين. . .

ونشاهد بين الحين والآخر جماعة من القرويين يتدربون على تمثيل قطعة مسرحية يحيون بها حفل زواج أميرهم (تينريوس) - أولئك قوم بسطاء يعيشون مثل كل أهل الريف يعيشون عيشة طبيعية بسيطة لا يشغل فكرهم خاطر ولا يعذبهم شك لاهين قانعين مؤمنين كل الأيمان بالحياة، بعيدين كل البعد عن بحثها والتأمل فيها. ويفزعهم مرآى رفيقهم (بوتوم) وقد أتاهم يحمل فوق عنقه رأس حمار فيصيح أحدهم:

(يا للشيطان! يا للغرابة! لقد زارنا إبليس

صلّوا أيها الرفاق - اهربوا أيها الرفاق - المعونة!)

كان هؤلاء رجالاً من المحتمل أن يكون شكسبير قد رأى وخبر أمثالهم في بلدته، لأن الدرامة لم تعد بعد مقصورة على بلاط الملوك والأمراء، بل عمت البلاد والقرى جميعها، وأصبحت وكأنها ضرورة من ضروريات العيش ومرفقاً من مرافق الحياة لا ينفصل عنها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>